*تعالوا نبحثُ عن الإمام الحسين(ع)*

عاجل

الفئة

shadow


بقلم علي خيرالله شريف

*»إني لم أخرج أشِراً، ولا بَطِراً ولا مُفسِداً، ولا ظالِماً، وإنما خرجتُ لِطَلَبِ الإصلاح في أُمَّةِ جَدِّي، أريد أن آمُرَ بِالمَعروفِ وأَنهى عَنِ الـمُنكر، مَن قَبِلَني بِقَبُولِ الحقِّ فاللهُ أولى بالحق، ومن رَدَّ عَلَيَّ هذا، أصبِرُ حتى يَقضِيَ اللهُ بَيني وَبَينَ القَومِ بِالحق، وهو خَيرُ الحاكمين«*

في حديث الإمام الحسين(ع) هذا، تتجسد أهداف ثورته ، وكل ما عدا ذلك تفاصيل، ولا دخلَ لثورة كربلاء بأيِّ حَشوٍ ومبالغة يندرجان ضمن إطار تشويه المناسبة ومحاولة النيل من عظمتها.

بيت القصيد في ثورة الإمام الحسين(ع) هو م_قا_و_مة الانحراف والظلم والفجور. فمن هذا النبع ارتوت ثوراتٌ وثورات على مدى التاريخ، ومنها تفجرت ثورة الإمام الخميني في إيران بوجه أعتى الامبراطوريات وأعتى الدول المتغطرسة التي أسماها الشيطان الأكبر. ومن ثورة الإمام الحسين تفجرت ال_مق_او_مة في لبنان، والتزمت بمبادئها خير التزام، فكانت انتصاراتُها من أعظم الانتصارات في التاريخ.

إنها ثورةٌ قد نشأت على سُنَّةِ اللهِ ورَسولِهِ الذي قال: *"من رأى مِنكُم سلطاناً جائِرا مُستَحِلّاً لِحرام الله ناكِثا بِعهدِ الله مُخالِفاً لِسُنَّةِ رَسوله(ص)، يُعمِلُ في عبادِهِ بالإثم والعدوان، فَلَمْ يُغَيِّر عليه بفعلٍ ولا قول، كان حقا على الله أن يُدخِلَهُ مَدخَلَه"*. 

إنها ثورة قد شَرِبت مِن رسالةِ النَبي الساطعة بالحق، ومن زهد الإمام علي وَتَقَشُّفِه، الذي رفض تناول العسل الـمُصَفَّى واقتناء التبر وارتداء الحرير ما دام في أرض دولته إنسان واحد يجوع أو يشقى للحصول على لقمة عيشه. الإمام الذي كان يتناولُ قُرصَ الشعير زهداً وتواضُعاً وعِفَّة، ورسمَ خطوطَ الاستقامة بتَحمِيَةِ الحديد لأخيه عقيل عندما طلب منه مساعدة مالية من بيت المال، فقدم بذلك لنا جميعاً درساً يُشعِرُنا بخطر التصرُّفِ بالمال العام. 

الإمام الحسين هو القائل في إحدى رسائله للمسلمين: *"اللهم إنك تعلم أنَّه لم يكن ما كان منا تنافُساً في سلطان ولا التماسا من فضول الحُطام، ولكن لِنُرِيَ المعالِمَ من دينِك ونُظهِرَ الإِصلاحَ في بِلادِك، ويأمَنَ المظلومون من عبادِكَ، ويُعمَلَ بفرائضِك وَسُنَنِكَ وأحكامِك، فإنكم(أيها الناس) فإن لم تناصرونا وتُنصِفونَا، قَوِيَ الظَلَمَةُ عَليكُم وَعَمِلوا في إِطفاءِ نورِ نَبِيِّكُم"*.

ما أروع ما خَطَّه لنا الحُسَين من سلوك ونهج تجاه الظالمين عندما قال: *"والله لا أرى الموتَ الا سعادة والحياةَ مع الظالمين الا بَرَما"؛ فاعتبر الموتَ في مقارعتهم سعادة، والرُكونَ لِظُلمِهِم ذُلّاً وعارا*.
أليس نهج الحسين هو المنارة التي يجدر بنا أن نهتدي بها؟
أليس هذا النهج كفيلاً بتحريرنا من شرور أنفسنا ومن شرور طُغاةِ عصرنا ومن ضبابِيَّةِ الرؤية لما يجري أمامنا وحولنا؟
هلّا اهتدينا وارعوينا ونهضنا من سُباتِنا؟
كم طاغية نعايش ونهادن وهم يقيمون مجالس عزاء الحسين(ع)؟ 
وكم فسادٍ نحن نرضى به؟ وكم باطِلٍ نحن ننحني له؟ وكم رشوى نحن ندفعها للمرتشي؟ وكم خُضوعٍ وتمسيحِ جوخٍ نحن نقدم للفاسقين تَمَلُّقاً وتذَلُّلاً؟

تَعالَوا نبحث عن حقيقة ثورة الإمام الحسين(ع)، ليس فقط في البكاء، بل في ما هو أعظم من البكاء وأرقى. إن البكاء مطلوب، ولكن ليس أي بكاء؛ فالبكاء المطلوب هو المقرون بحُضورِ قَلبٍ واندِماجِ عَقل، وبالتزامٍ كُلِّيٍّ بمبادئ الحسين(ع) وعملٍ بها إلى أقصى الحدود. أما غير ذلك فلا، لأن الحسين لم يقل أنه خرج لنبكي عليه، بل قال أنه خرج لطلب الإصلاح في أمة جده، وأي بكاء غير ذلك يشبه الصلاة بِتَمتَةٍ دون معنى.

الحسين(ع) هو أعلى وأسمى وأعظم من أن يبكي على نفسه أو أن يستدرَّ بكاءنا عليه، لأنه خير من يعلم بأن هذه الدنيا فانية وما بعدها أعز ؤأبقى وأكثر سعادة وقرباً من الرحمن، وهو خير من يعلم بأنه سيد شباب أهل الجنة، والجنة هي طوعُ بنانِه ليكون أميرها. وهو خير من يعلم بأنه ثار لأنبل قضية وهي الإصلاح في مجتمع الإنسان خليفة الله على الأرض، والله سخر لهذا الإنسان كُلَّ شيء. البكاء مطلوب ليس على الحسين لأن الحسين قد نال السعادة الأبدية، بل الأَولَى أن نبكي على أنفسنا بعد الحسين(ع)، وأن نبكي على الأمة بعد الحسين لأنها تخلت عن مبادئه ووصلت إلى البدع وفتاوى الضلال والتضليل، والقتل على الشبهة وسبي النساء رضوخاً لشهوة الحاكم أو انصياعاً لإملاءات العدو. 
تعالوا نتعلَّم من مدرسة الإمام الحسين(ع) العليا، ليس بعيداً عن العاطفة ولكن فلتكن عاطفتنا رفيقة عقلنا وليكن عقلنا الحاكم على سلوكنا، وليكن الرشد رفيق دمعتنا. لأن الحسين(ع) ليس مجرَّد قائد ثائر مرَّ في التاريخ منذ ألفٍ وأربعمئة سنة، وله أنصارٌ يجددون عزاءه كل عام، بل هو جوهر كل الثورات ومُلهِمُها من أجل الحق والعدالة، وبوصلة البشرية إلى الاستقامة، وخريطة الطريق إلى السعادة والازدهار ومكارم الأخلاق.

*الاثنين ٢١ آب ٢٠٢٣*

الناشر

علي نعمة
علي نعمة

shadow

أخبار ذات صلة